بسم الله الرحمن الرحيم
أين نحن من شعار ” إيطاليا تتمنى الموت لفرنسا ” ؟
د فائزة الباشا
يتميز العصر الحاضر بالتطور ( ثورة ) التكنولوجيا في شتى المجالات بما فيها ما شهده مجال الاتصالات والمواصلات الذي أسهم بشكل كبير في تيسير حركة تنقل الأشخاص والأشياء وفي سرعة انتقالهم واتصالهم . حول العالم إلى قرية صغيرة تتناقل فيها الأموال والأخبار بسرعة البرق وكذلك الشخوص ، وكان لذلك أكبر الأثر في اتساع مدارك الإنسان واتساع آفاقه مع إحساسه بهموم ومعاناة الآخرين ، ولكن الأمر لا يقف عند حد ايجابيات التطور التقني والتكنولوجي ، لأن ما لحق بالمجتمع الإنساني من أضرار جراء ذلك ، خاصة عالمنا العربي (وبعيدا عن نظرية المؤامرة ) ، يماثل أو يكاد أن يفوق مزايا الانفتاح والتطور .
لارتباط تلك السلبيات بالضعف الإنساني الذي أفرز أشكال جديدة للجريمة ومن صورها الفساد الذي لا يقف عند حد ما يرتكبه الفرد من أفعال منافية للقيم والأخلاق جرمها الشارع الالهي ، قبل أن يتصدى لها المشرع البشري ، فقد تجاوزنا الإجرام الفردي إلى الإجرام المنظم القائم على وجود تحالفات ، تضم أشخاص ممن تجمعهم المصالح الواحدة وفي مقدمتها ؛ تحقيق الثروة الطائلة .
ومن المفارقات أن تلك التحالفات قد تقوم لتحقيق أغراض نبيلة كالثورة ضد الظلم والطغيان ثم تنقلب إلى بؤر للفساد تفوق في قدراتها وإمكاناتها المؤسسات الإجرامية .
الأمر الذي أدى إلى إفلاس تلك التحالفات وعدم قدرتها على صياغة رؤية وبرنامج اجتماعي واقتصادي لخدمة الشعوب التي وضعت ثقتها بها ، لأسباب عدة منها الضعف والهشاشة القيمية و البنيوية .
ولعل من أقرب الأمثلة تاريخياً ، نذكر نشأة المافيا الصقلية عام 1282م التي تعود اسباب ظهورها كما تفيد بعض الدراسات إلى الرغبة في مقاومة الاحتلال تحت شعار ” إيطاليا تتمنى الموت لفرنسا ” والذي اشتقت منه كلمة ” مافيا ” .
وازدادت الأمور قتامة في دول ” العالم الثالث ” ، بعد الخريف العربي ، حيث انهارت بقايا النظم المهللة خاصة في ليبيا ليخضع الفرد لا إلى سيطرة الدولة ومؤسساتها التي ازدادت انهيارا ، لأن الحاكم المطلق الذي كان مسيطرا رغم غيات دولة المؤسسات ، لم يعد موجودا .
و أصبح الأفراد ضعفاء في مواجهة تيار جارف أصبح يعرف ” بمافيا الفساد ” الخارجة عن السيطرة لتمتعهم بالنفوذ والسلطة التي تجعلهم بمنأى عن سلطة العدالة الجنائية .
ولأن الإنسان خلق هلوعا جزوعا مصداقا لقوله تعالي ” إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً ” سورة المعارج الآية 119 .
لأسباب عديدة منها الخوف من فوات الفرص ومن قلة المال .
والرغبة في الحصول على أموال طائلة دون كد وتعب وبعد عوز وفاقه في الغالب . وبسبب عدم الثقة في المستقبل وأكيد ضعف الإيمان ..،
فقد أولئك ممن كانوا يحملون الشعارات والمبادئ القدرة على الاستمرارية بسبب مظاهر الحياة المترفة التي لم يعتادوا عليها ، والتي دفعت ببعضهم إلى هوة سحيقة ، ليصبحوا أدوات لخدمة الفساد وتقاضي العمولات مقابل بيع الأوطان و تهميش القضايا الوطنية ،
وذلك أبشع أشكال الجرائم التي ترتكب بحق الإنسانية والوطن ، وهي من الجرائم التي توجب تفعيل دعاوي الحسبة ، لأنها تتم بدعم من الدول الكبرى بحجج واهية ، التي تشرعن لنفسها تحت غطاء ما يعقد من مؤتمرات وإبرام اتفاقات ومذكرات تفاهم تحقيق غايتها ، فهذا مؤتمر لإعمار ليبيا وكان سبقها بسنوات إعمار العراق ، وما هو إلا مؤتمر لنهب الثروات بأبواعها ، كما حدث في العراق وغير ه .
إذا أردنا التدليل على سلبيات هذا الغول الذي أصبح ينهش في بنيان الوحدة الوطنية والوحدة القومية للشعوب العربية بوجه عام والإسلامية بشكل خاص ، يحتاج الأمر إلى اطروحات دكتوراه شرط أن تجد من يحولها إلى برنامج وآليات لمواجهة هذا الغول البشع .
والعمل في الوقت ذاته على إزالة أسبابه والحد من خطورة النتائج المترتبة عليه ، التي تلحق أضرارها بسائر مناحي الحياة ابتداءً من حق الفرد في حياة كريمة مستقرة في جو ديمقراطي ودولة القانون ، وحق الدولة في التنمية بمجالاتها المختلفة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، وكذلك حقوق الاجيال القادمة … .
ختاما … مما لا شك فيه ان تغير الشخوص والأزمان لم ينعكس على الأحداث التي تدور بذات المكان ليبيا ، وا اختلفت وسائل الوصول للغايات ، فتارة تدخل انساني ، وتارة مكافحة الهجرة ، أو التصدي للمد الداعشي .
ويبقي الهاجس الحقيقي ، اقتسام أماكن النفوذ والحصول على الحصة الأكبر من الكعكة الليبية الذي بات السبب الرئيسي لتتمني ايطاليا الموت لفرنسا .([1])
سبحانك اللهم الحمد الله على فضلك ونعمتك …
الحمد الله رب العالمين .
[1] – كتبت الأفكار العامة لمسودة هذا المقال في ابريل 2015م كان بعنوان ” الفســــاد في عـــصر العولمـــــــــــــــة” ، وتم تطويره يوم 9 أغسطس 2017 م.