ثورة البوعزيزي تحقق المعجزة *
رشيد حسن
لم يكن يخطر ببال أكثر المتفائلين والحالمين * بأن إقدام الشاب البوعزيزي على إحراق نفسه * احتجاجا على البطالة * ***جر الغضب التونسي ويسقط الجنرال * بعد حكم بوليسي استمر 23 عاما.
الشعب التونسي يذكر الأمة والعالم كله بانتفاضته المباركة هذه * بأنه أراد الحياة * فتحققت له.. كما ألهمه شاعره أبو القاسم الشابي منذ عقود:
إذا الشعب يوما أراد الحياة
فلا بد أن يستجيب القدر
والشعب التونسي وهو ينتفض على الجوع والمرض والبطالة والفقر والذل والفساد * أكد أن إرادته أقوى من كل أشكال الاضطهاد * وأن الشعوب قد تصبر * وتصبر طويلا * ولكنها تنفجر كالبركان * وكالزلازل * ولا تستطيع كل مراصد الدنيا * وأجهزة التقاط الأنفاس * أن تتنبأ بها.
إن انتفاضة الشعب الشقيق * والتي استمرت أكثر من 25 يوما متواصلة * وقدمت عشرات الشهداء * ومئات الجرحى * هي الانتفاضة الوحيدة * في التاريخ العربي الحديث * التي تسقط حاكما * وهي بكل المعايير ثورة شعبية عارمة * تضاهي الثورات الفرنسية والروسية والايرانية * وتؤكد أن الشعوب أذكى من الطغاة * وأذكى من كل الحواسيب * وهي الأقدر دائما على اختيار اللحظة التاريخية المناسبة * والتوحد معها.
من راقب المشهد التونسي الدامي خلال أربعة أسابيع * يدهش من توحد الجماهير * وهي تزحف من كل المدن والبلدات * تهدر بصوت واحد * تطالب بالحياة الكريمة * والديمقراطية الحقيقية * ومحاسبة الفساد والمفدسين * تدفن شهداءها وتنهض * لا تلوي على شيء * إلا شيئا واحدا وهو مغادرة الطغاة * ومحاسبة البطانة الفاسدة التي نهبت البلاد * وظلمت العباد * فتفرق أحرار تونس في أربع رياح الأرض * هربا من الظلم والاضطهاد * فلم يبق في تونس الخضراء * تونس الياسمين * إلا الجنرال وظله * والظلم وسيئاته * والجوع والفقر ومفرداته * والخوف الذي عشش في كل ركن من أركان البلاد * والنكايات والمناكفات والتصفيات السياسية * التي طالت الجميع من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.
شعبنا التونسي أعاد الثقة للأمة كلها من الماء إلى الماء * بأنها قادرة على امتشاق الإرادة والنهوض من جديد.
وأعاد الثقة.. بأن شباب هذه الأمة لا يزالون بخير * رغم ما يتعرضون له من فساد وإفساد ممنهج * على مدى الساعة * عبر الأثير والانترنت والمخدرات * وعبر السلطات "سياسة العصا والجزرة".
لقد أكد البوعزيزي ونظراؤه * ممن أقدموا على التضحية بأنفسهم * وإضرام النار في أجسادهم الغضة الأبية * احتجاجا على ظلم السلطات * وعلى ظلم المجتمع * وتخلي النخب عنهم * أنهم متمسكون بالحياة الحرة الكريمة * ويرفضون الذل والهوان. وكانت صفعة ذاك الشرطي للبوعزيزي * وهو يرفض أوامره * ويصر على أن يعيش حرا وبكرامة * يبيع الخضروات متجولا بعربته.. صفعة للنظام * ولكل الجبارين في الأرض * وهذا ما أكده الزلزال الذي وصلت تداعياته إلى الدنيا كلها * وقذف بالجنرال وبطانته * ليلاقي مصير الشاه * فرفض اصدقاؤه الفرنسيون والأميركان اسقباله * وانتظرت طائرته ساعات طويلة في الجو قبل أن تهبط في جدة.
باختصار.. انتفاضة تونس الخضراء وثورتها الشعبية المباركة * فاجأت الجميع.. فاجأت العدو قبل الصديق * وأعادت الأمل والثقة للأمة كلها * بأن استمرار الحال من المحال.
الدستور
المفضلات